الحرب العراقية ـ الايرانية / فيصل الفؤادي

درس الحزب الحرب بين الدولتين الجارتين وتأثيراتها على مجمل الوضع بما فيها على شعبنا وكذلك على الحزب و أعضاءه  وانصاره. حدد الحزب موقفه منها في بيان عقب اندلاعها , ندد بغزو العراق  للاراضي الايرانية وطالب بسحب القوات العراقية دون قيد وشرط . لقد بدأت الحرب في أيلول عام 1980 وكانت أسبابها المعلنة هي أن صدام حسين مزق أتفاقية الجزائر ورفض الاعتراف بها والموقعة من قبله عام 1975 والتي بموجبها أعطى صدام الحق بالضفة الشرقية من شط العرب الى أيران مقابل عدم دعم الثورة الكردية في العراق .كانت الولايات المتحدة الامريكية تدعم نظام البعث وبشخص صدام نفسه كونه البديل عن الشاه في المنطقة وكذلك الخوف من تأثيرات الثورة الايرانية على شعوب المنطقة وخاصة في العراق والخليج العربي , أضافة الى أن أغلب الدول الاوربية وأمريكا لاترتاح الى هذه الثورة كونها مصدر قلق من خلال تصدير الثورة ودعمها الى مناوئي الحكومات  في أفريقيا وأسيا , وكان للحرب فوائد لتحريك وأنعاش المصانع الاوربية والامريكية لبيع سلاحها.

 ولكن لو حسبناها عمليا فالنظام الدكتاتوري كان مشغول بحربه الطاحنه مع ايران ,ونسبة كبيرة من الجيش العراقي كان مشتركا على الحدود بطول الجبهة تقريبا البالغ 1300 كم , ثم جرى سحب بعض الالوية  من بعض المناطق الشمالية القريبة من عملنا الانصاري الى مناطق القتال .

 (وجراء الحرب اضطر النظام الدكتاتوري الى تكريس القسط الرئيسي من امكانياته الماليه الدعائية والعسكرية ضد أيران ولم يعد يمكنه الانفراد بالحركة الانصارية . وقد اضطر الى سحب الكثير من الربايا المزروعة في كردستان العراق مما سهل تغلغل القوات المسلحة الكردية (ب م ) وقوات الحركة الانصارية التابعة لحزبنا الى العمق في كردستان , واصبح نشاطها يمتد الى الكثير من المجمعات القسرية وحتى مدينة أربيل [1].  ) . وبالمقابل أثرت الحرب سلبياً على بعض قواعدنا العسكرية خاصة في قاعدة السليمانية وكركوك .,يقول قادر رشيد في كتابه بشتاشان بين الالم والصمت ( زادت ضغوطات الجيش الايراني القريب من منطقة ( كه رهجال) وشيئاً فشيئاً بدأ الايرانيون باحتلال المنطقة وأصبحنا نحن مع قوات حدك , حسك , باسوك , تحت رحمة قصف القوات العراقية ... نتيجة لاطلاق قذائف المدافع اصبنا باضرار بشرية كبيرة واستشهد عدد من رفاقنا ومنهم البيشمه ركة كاميران أحمد ( درويش ) والاسيرالالماني الجنسية (ايرهارد) كذلك جرح البيشمه ركة مصطفى درويش قادر حلبجي . وفي مكان أخر يقول ( وبما أننا كنا واقعين بين نار الحرب العراقية الايرانية ووجود الحصار علينا من الجانبين ولتجنب قصف الطائرات العراقية كنا نتفرق خلال النهار ونعود الى مكاننا في الليل, وقد أتخذنا مواقف دفاعية ولم يكن بأمكاننا خوض المعارك ضد النظام البعثي الفاشي).

ولايمكن أن ننسى دور النظام الايراني في دعم القوى الاسلامية الكردية ومنهم الشيخ خالد البرزاني وهو من أقرباء مسعود البرزاني والذي جلب معه قوة كبيرة الى منطقة برزان في أربيل وقام بتهديد قواتنا هناك  في 3 من أب 1985 والتي على أثرها أنسحبت قواتنا الى منطقة كافيه . من خلال رسالة بعثها الى قيادة القاطع هناك يقول فيها ( ننذركم بأخلاء مناطق بارزان خلال ستة أيام والا فأن جحافل الاسلام جاهزة لاخراجكم منها بالقوة , وقد أعذر من أنذر.. الخ ).

أهم مميزات هذه الفترة  ـــ

1- كان شعار هذه الفترة أنهاء النظام الدكتاتوري وأقامة البديل الديمقراطي الشعارالذي أقرته اللجنة المركزية في أجتماعها في تموزعام 1979.

2-   كانت الحركة الانصارية في بداية تأسيسها تعتمد في كثير من الجوانب على الاحزاب الكردية .

3-   أعتمد الانصار الاوائل على خبرة أبناء المنطقة ومن الانصار الذين كانوا قد خاضوا النضال الانصاري في فترات سابقة .

4-   بساطة المستلزمات المادية لهذا الاسلوب النضالي ( من سلاح وتجهيزات عسكرية وذخائر وامور أخرى ) .

5-   أقتصر العمل الانصاري على بناء القواعد أو المواقع الانصارية , والتثقيف الجماعي والذاتي .

6-   عمل الحزب على تشكيل مكتب عسكري يقود هؤلاء الانصار وتنظيمهم في تشكيلات ووحدات عسكرية .

7- واخيرا كان أساس العمل هو تجميع الرفاق الانصار في أماكن محددة وتهيئتهم لعمل أنصاري لاحق من خلال التوعية السياسية والعسكرية واطلاعهم على ظروف المنطقة وحياتهم وعاداتهم وحتى لغتهم .

الفترة الثانية (1981 ـــ1983)

فترة الاستقرار والتطور

   في تشرين الثاني من عام 1981 قرر الحزب تبني اسلوب الكفاح المسلح رسميا كنهج رئيسي في النضال من اجل الاطاحة بالنظام الدكتاتوري في العراق وأحلال البديل الديمقراطي مع ربطه بالاساليب الاخرى. وكان لهذا الشعار صدى واسع بين الانصار والاحزاب الكردستانية المتواجدة وكذلك على الاحزاب الشقيقة والصديقة وخاصة في المنظومة الاشتراكية والاتحاد السوفيتي سابقا .

ويذكر الحزب الى انه كان يعمل ( .... لتصعيد النشاط على مختلف ميادين العمل التعبوي والسياسي والفكري والتنظيمي , واعداد مستلزمات خوض الكفاح المسلح في مختلف مناطق العراق , وعقد التحالفات الوطنية , واستنهاض الحركة الجماهيرية وصولا الى الوضع الثوري للاطاحة بالدكتاتورية وتحقيق شعار الحزب وأماني الشعب[2] ) .

وكان الحزب يسعى الى تطوير الكفاح المسلح  وتعريقه أي أن يمتد الى جميع مناطق العراق وبالذات في المناطق الجنوبية (الاهوار ) , ولكن هذا المسعى أرتبط بأشكالات عديدة منها ضعف الامكانيات المتوفرة للحزب في كثير من الجوانب , أضافة الى أن الحرب العراقية الايرانية وصلت الى مناطق الاهوار في العمارة وشمال القرنة وغيرها من المناطق الحدودية وحتى عمق الاراضي العراقية مما عقد مهمة التعريق هذه.

وكانت سياسة الحزب خلال هذه المرحلة تتضمن الامور التالية :

  1. اسقاط النظام الدكتاتوري .
  2. انهاء الحرب العراقية – الايرانية .
  3. اعادة روابط التنظيم وتنشيطه في جميع أرجاء الوطن .
  4. اعادة هيكلية العمل الانصاري في جميع المواقع الانصارية (قاطع السليمانية وكركوك , قاطع أربيل , وقاطع بهدينان (دهوك والموصل ) .

5. تشكيل قيادة جديدة للعمل الانصاري ( المكتب العسكري المركزي ) , خاصة بعد ان انتقلت قيادة الحزب والمكتب السياسي الى كردستان.

وقد جاء في تقريراللجنة المركزية  ( تأكيد التوجيهات الحزبية حول واجبات التدريب والاستعداد الدائم من قبل كافة أعضاء وأصدقاء الحزب لتلبية الواجب المشرف في الانخراط بوحدات الانصار , والاهتمام بأختيار أفضل النوعيات لاداء هذا الواجب , وكذلك لجمع مختلف الكفاءات التي تحتاجها وحدات الانصار , ويحتاجها الحزب في مختلف الميادين [3]).

وكان للنصيرات البطلات الدور المتميز في رفع الروح المعنوية للرفاق الانصار , وهي أول حركة أنصارية عراقية تشرك المرأة في هذا النضال الصعب والبطولي , وتتحمل كل الظروف القاسية من تعب وجوع وحرمان وهذه هي المفخرة بحد ذاتها .

هذا التمييز هو الذي ساعد الحركة الانصارية أن تلتقي بالعوائل وتوثق العلاقة الاجتماعية في الكثير من القرى الكردستانية وخاصة المرأة وتعمل على توعيتها بظروفها وحقوقها .

لقد تطور العمل الانصاري بفضل كثير من العوامل منها :

-   انسحاب قوات الجيش العراقي من كثير من المناطق المتأخمة لمناطق العمل الانصاري .

- أزدياد أعداد الانصار ( الرفاق ) الملتحقين بالحزب سواء كانوا من الخارج أو من الداخل بعد معرفتهم بتواجد ه في تلك المناطق.

- وصول أعداد جيدة من الاسلحة من مضادات للطيران أو المدفعية والكثير من الذخائر ومستلزمات أخرى من (زمزميات أو أحزمة  وأنواع الحمالات وغيرها ) .

-   القيام بعمليات نوعية كان لها تأثير جيداًعلى أبناء المنطقة .

- هروب أعداد كبيرة من الجنود وخاصة من أبناء المنطقة (ولكنهم لم يلتحقوا بالشكل الذي كنا نريده في الحركة ككل ) حيث بقي غالبيتهم في قريته أو عند أقربائه .

- العمل المشترك مع الاحزاب المتواجدة في الساحة السياسية (الاتحاد الوطني والحزب الاشتراكي والحزب الديمقراطي الكردستاني ) .

- معرفة أنصارنا للمنطقة بشكل جيد من الجبال والوديان وتشعباتها والطرق السهلة والصعبة , أضافة الى معرفتهم بالعمل الانصاري من خلال خوضهم لكثير من المعارك وهي تجربة جيدة  .

- أيجاد ركائز حزبية في بعض القرى والذي أصبح بعضها عيونا للمفارز من خلال ارشادهم على الكمائن وتواجد الجيش أو عمن يتعاون مع النظام . ولعب الانصار الاطباء دورا جيدا في التأثير على الجماهير من خلال مساعدتهم لهم وتوفير بعض العلاجات لمرضاهم .

- تطور في الجانب الاعلامي حيث ظهرت للوجود اذاعة صوت الشعب العراقي والصحافة  ( طريق الشعب , نهج الانصار , ريكاي كردستان و جريدة النصير , أضافة الى النشريات الاخرى ) .

-   تخرج مجموعة من الضباط في بعض الدول الصديقة (جمهورية اليمن الديمقراطية ) .

-   أشتراك العشرات من النساء ( النصيرات ) في العمل الانصاري وهي ميزة تنفرد بها الحركة الانصارية الشيوعية .

-   تحسن في الاداء العسكري نتيجة التطور المعرفي والتدريب للمقاتلين الانصار وكذلك التطور  والتوسع في المهام العسكرية .

-         بناء عدد من المستشفيات الثابتة والمتحركة ارتبطت مع ظروف الحركة الانصارية وبعد توافد عدد غير قليل من الكوادر الطبية من الاطباء والمساعدين.

ويشير تقييم الحركة الانصارية الى ( توسع نشاط الحركة الانصارية التابعة لحزبنا الى جانب نشاط  الفصائل المسلحة (البيشمه مركة ) اطراف (جود )الاخرى وامتد الى داخل المدن الرئيسية . وتطور الخبرة العسكرية واستخدم التكتيكات العسكرية الناجحة والحصول على نوعيات جيدة من الاسلحة ...الخ) .

 

        أضافة الى كل ذلك فان الحرب العراقية – الايرانية أخذت منحى أخر حيث بدا الجيش العراقي بالتراجع وحققت القوات الايرانية بعض الانتصارات خاصة في محور أو جبهة البسيتين ومعركة خرمشهر 1982 ,والتي أثرت على وضع القوات المتواجدة في مناطق كردستان .

وقد وضع الحزب مجموعة من القرارات والتوصيات لأعضاء الحزب وبالذات للانصار وقيادة القواطع والسرايا .جاءت هذه القرارات نتيجة تدهور الجانب المعنوي في أوضاع الجيش العراقي على الجبهة وظهور حالات كثيرة من الهروب الفردي والجماعي , اضافة الى العدد الكبير من القتلى والجرحى , مما ولد وضعا مأساويا كبيرا بين أبناء الشعب العراقي , وأعتقد الحزب أمكانية حصول شيئ ما ( أنقلاب عسكري ) أو فوضى داخل بعض الوحدات العسكرية أو تمرد وغيرها من الامور التي سوف تحدث نتيجة هذا التدهور .

وكذلك انتفاضة الربيع ( أذار 1982 ) التي عمت القرى والمدن والمجمعات السكنية في كردستان , وأعمال الاحتجاج والسخط والتظاهرات التي أستمرت أربعة أيام في اربيل أحتجاجا على قادسية المقبور صدام .

ومن أبرز التوجهات والقرارات التي وصلت للتنظيم الحزبي والعسكري والتي سميت في حينها ( خطة الطوارئ ) ما يلي:

-   تطوير العلاقة مع الجماهير والعمل على زج الرفاق ذوي التجربة بين صفوفهم .

-   تشكيل قوات خاصة تعمل بأمرة الحزب متهيئة للظروف المتوفرة .

-   الاستيلاء على المراكز المهمة في القصبات و المدن ( الاجهزة الامنية والمخابراتية ومراكز الشرطة ) وغيرها .

-   بذل الجهد في الاتصال بكوادر الحزب السابقين من عسكريين ومدنيين .

-   الاستيلاء على السيارات العسكرية والمدرعات والاسلحة .

ـ  مهاجمة بنوك الدولة ( المصارف ) والسيطرة على موجوداتها

ـ  العمل على تصفية عملاء النظام ومرتزقته في المنطقة, ومن قادة المنظمات الحزبية والجيش الشعبي والاستخبارات العسكرية

   وشكلت قيادة الحزب مجموعة من التشكيلات العسكرية التي ليست جديدة بمحتواها بل جرى توسيع عملها وأيجاد أساليب عمل تنظيمية تخدم العمل العسكري بشكل عام أرتباطاً بعملها في الداخل ,ارتباطات تنظيمية ( محلية ) على مستوى التنظيم المحلي في القرى والقصبات والمدن التي يتم الوصول اليها . وكذلك الوصول الى المحافظات الاخرى وتطوير العمل التنظيمي والحزبي .

وقد شكل الحزب المكتب العسكري المركزي الذي يقود العمل الانصاري وعلى الشكل التالي ( المسؤول السياسي والمسؤول العسكري والمسؤول الاداري والمالي ) أضافة الى أعضاء متفرغين أو مسؤولي التنظيم داخل المفرزة , وشكلت ثلاث قواطع في مناطق كردستان تكون تابعة للحزب أضافة الى التنظيمات المحلية التي ترتبط بالقواطع نفسها , اما تنظيم الداخل أي في المحافظات الاخرى فيرتبط بقيادة خاصة يقودها عضو المكتب السياسي وبعض أعضاء اللجنة المركزية وكوادر متخصصين في العمل التنظيمي .

والقواطع التي شكلت انذاك هي:

  1. قاطع بهدينان ويتكون من الفوج الاول وهو المسؤول عن مناطق شمال محافظة الموصل , والفوج الثالث ويكون مسؤول عن بعض مناطق محافظة دهوك ويكون مسؤولاً عن هذا القاطع عضوي اللجنة المركزية  (توما صادق توماس وسليم أسماعيل )
  2. قاطع أربيل ويتكون من ثلاث أفواج ( السابع والحادي عشر. والثالث عشر ) ويكون مسؤلان عنه  عضوا اللجنة المركزية (ثابت حبيب العاني ويوسف حنا القس ) .
  3. قاطع سليمانية وكركوك ويتكون من ثلاث أفواج الخامس والفوج التاسع والخامس عشر يكون مسؤول عن  قرداغ وكرميان ويكون مسؤلا عنه ( بهاء الدين نوري المسؤول الاول وعدنان عباس مسؤول التنظيم  وملا علي المسؤول العسكري وأبراهيم الصوفي (ابو تارا ) المسؤول الاداري )  .

أضافة الى المكتب العسكري المركزي  الذي أختار منطقة في شمال أربيل تدعى ( بشتاشان ) مقرا له .

وشكلت تلك القواطع من أماكن عملها  عدة أفواج وسرايا وسرية مقر وغير ذلك .

واختارت كمكتب للعمل يضم المسؤول العسكري والسياسي والاداري وأحيانا المسؤول الحزبي أو معاون لآمر السرية أو لأمر الفصيل .

كان الفوج يضم أحيانا ثلاث أو أربع سرايا، والسرية تضم فصيلين أو ثلاثة، والفصيل يضم حضيرتين أو ثلاث أي حسب العدد الموجود، وأحيانا يضاف الملتحقون ويتوزعون على الحضائر الموجودة .



[1]  من وثيقة تقيم الحركة الانصارية ص95

[2]  تقيم تجربة حزبنا النضالية 1968 –1979 ص 72

[3]  تقرير اللجنة المركزية الصادر في تشرين الثاني 1981 .