المؤتمر الخامس للحزب ... / فيصل الفؤادي

عقد المؤتمر الخامس للحزب بين 12 الى 25 من تشرين الثاني عام 1993 وحضره 115 مندوبا وقد ناقش المندوبون مختلف القضايا الشائكة وأطلق على المؤتمر ( مؤتمر الديمقراطية والتجديد ) وأتخذ له  شعارا هو: ( في سبيل استنهاض شعبنا ورفع الحصار الاقتصادي عنه , واسقاط الدكتاتورية, واقامة العراق الديمقراطي الفدرالي الموحد,والدفاع عن مصالح الكادحين) .

أن هذا المؤتمر هو الفاصل بين عملية الكفاح المسلح والنضال السلمي في تغير الحكم وأعتقد لا رجعة به مع توفر الظروف والمتغيرات الداخلية و الاقليمية والعالمية .

وهناك الكثير من القضايا التي بحثت وعولجت وتغيرت بالتأكيد ستؤدي الى توجهات و تكتيكات مختلفة كليا عن التكتيات السابقة , كون التغييرجرى في القضايا الفكرية ,ومنها  تحول الحزب من المركزية الديمقراطية الى حزب ديمقراطي في الجوهر والعمل بصيغ تنظيمية جديدة .

أن الحزب يعترف بالراي الاخر والتعددية الفكرية وجاء التغيير في الجانب الايديولوجي والفكري ولم تعد الافكار الماركيسية اللينينة المرشد الوحيد بل أيضا يستفاد من التراث الانساني الاشتراكي على مدى الفترات السابقة وكذلك الاستفادة من حضارات شعوب وادي الرافدين ونضال شعبنا العراقي عبرتاريخه الطويل , وجاء التغيير على الكثير من القضايا السياسية والاقتصادية والحياتية وهذا ماجاء به برنامج الحزب وكذلك النظام الداخلي ومنها تشكيل الحزب الشيوعي الكردستاني انطلاقا من الواقع الملموس والتأكيد على المنطلقات القومية واحترام خصوصيتها .

لقد ناقش المندوبون قضية الكفاح المسلح والانسحاب من كردستان العراق نهاية عام 1988 وتداعياتها على أنصارنا وجماهيرنا وشعبنا بشكل عام والظروف التي أحاطت بها .

وقد رفعت عدة شعارات أنية ومنها ( حشد كل الطاقات من أجل اسقاط الدكتاتورية , لا للحصار الاقتصادي على شعبنا العراقي , الوقوف ضد التحركات المستهدفة شن حرب على العراق .....الخ ) وتجنب الخوض في المسائل المستقبلية أو التنبؤات البعيدة .

أستعمل الحزب الشيوعي العراقي تكتيك جديد وخطاب سياسي جديد فقد جاء في برنامج الحزب الذي أقره المؤتمر ( سن قانون ديمقراطي لانتخاب مجلس تأسيسي للبلاد , يشرع دستورا ديمقراطيا دائما , يضمن فصل السلطات الثلاث واستقلالية القضاء ويرسى الاسس القانونية لحياة ديمقراطية مستقرة وراسخة وأجراء أنتخابات ممثلي الشعب بحرية وعلى أساس حق التصويت العام والمتساوي والمباشر لكل البالغين قانونيا ذكورا وأناثا وبالاقتراع السري وانتخاب المجالس البلدية وضمان اجراء اتخابات ديمقراطية ....الخ )

   ولكي أنهي هذه الموضوعة التي لا أريد أن أناقشها بتفاصليها وضروة فهم هذا التحول و الكيفية و الاسلوب النضالي للمرحلة القادمة , وتحوله من جهة الى أخرى معاكساً لها أخذين بنظر الاعتبار ظروف الحزب والاحزاب الاخرى والمتغيرات العالمية ووضع دول الجوار والمنطقة بشكل عام وهذا يحتاج دراسة نظرية لتلك الموضوعة .

وأشير الى فقرة من موضوعة تم فيها مناقشة وثائق المؤتمر الخامس في مجلة الثقافة الجديدة ص 135 ( فلقد تخلفت قيادة الحزب أنذاك عن استيعاب مغزى البريسترويكا . ففي اجتماع اللجنة المركزية المنعقد في عام 1988 أي بعد ثلاث سنوات من الشروع بها , جرى التطرق الى البريسترويكا بشكل عرضي . وفي اجتماعها في اذار 1989 توقفت اللجنة المركزية عندها دون أن تتفاعل مع جوهرها رغم انهيار عدد من الانظمة الاشتراكية .ولكن كل ما كان يحيط بالحزب يشير الى عدم امكانية الاستمرار على ذلك الوضع وباتت دراسة وضعه بعمق واجراء مراجعة شاملة لايديولوجيته وبرنامجه ونظامه الداخلي وخطابه السياسي , أمر لا يقبل التأجيل ويتوقف عليه مصير الحزب الاحق ) .

 وللاسف الشديد أن البعض من قادة الحزب ركض بسرعة البرق حاملا هذه الاراء المشار لها وهو كان واحدا من المسؤولين لأكثر من نصف تأريخ الحزب عن قضايا مهمة ومصيرية دون تمحيصها وتفحصها .

وفي نشرة عممها المكتب السياسي في أيلول 1989 تمت دعوة منظمات الحزب والرفاق المعنيين الى المساهمة مع قيادة الحزب في سعيها لاعادة صياغة الوثائق البرنامجية للحزب وتدقيق المفاهيم وتطوير استنتاجات الحزب وحصيلة تجربته النضالية   . وأتخذ هذا المسعى للتجديد كما تشير وثائق المؤتمر الوطني الخامس منحى أكثر ملموسية.

 في أذار 1990 طرحت اللجنة المركزية تقريرها ( في سبيل استنهاض قوى الشعب لتحقيق السلم والبديل الديمقراطي ) .

وقد جاء في هذه الوثيقة  , وفي هذا الاطار شرع المكتب السياسي للحزب منذ دورته في ايلول 1989 بأعادة تقيم وضع الحزب وحياته الداخلية على أرضية اشاعة أوسع ديمقراطية فيها بما يرفع دور الشيوعيين في رسم سياسة الحزب وابداعهم في تطبيقها وقدرتهم على تقويمها وتصويبها, وتعديل مسارها ومتابعة عمل قيادة الحزب وانتخابها وحجب الثقة عنها عند الضرورة , وتجديدها بأستمرار  .

وتضيف  الوثيقة ( أن الواقع الذي الت اليه الاوضاع في بلدان أوربا الشرقية ( الاشتراكية ) والاشواط التي قطعتها البريسترويكا لاعادة البناء في الاتحاد السوفيتي على مختلف الصعد والميادين جعلت من الضروري تجاوز العموميات والانتقال الى التحديات الملموسة لمفاهيم التجديد خصوصا فيما يتعلق بتفاعل الحزب مع جوهرها واستنتاجاتها الجديدة والاخذ بنظر الاعتبار تأثيراتها المباشرة على الوضع في العراق ومحيطه العربي والاقليمي ) .

الخاتمة

أن مسيرة الحزب الشيوعي العراقي خلال ثلاثة أرباع القرن العشرين تظهر, أن الحزب لم يرفع شعارالكفاح المسلح بوجهة الانظمة الدكتاتورية الا بعد معاناة كبيرة  حيث أضطر الى رفعة أو اللجوء الى مواقع الكفاح المسلح جراء حملات الاعتقال والاضطهاد وخنق الحريات وحملة السجون والاعدامات والقتل والاغتيال وغيرها , لقد عانى الحزب أشد الظروف وطأة وقسوة طيلة تأريخه تمثلت بأعدام وقتل اعضاء المكتب السياسي للحزب لفترتين مهمتين من تأريخه, فقد أستشهد أكثر من 10 من أعضاء اللجنة المركزية وكوادر متقدمة( سكرتير الحزب فهد ورفيقيه أعضاء المكتب السياسي حازم وصارم في شباط 1949 ) أضافة الى الرفيقين  يهودا صديق وساسون دلال في عامي 1949 و1950 على يدي جلادي الحكم الملكي أما عام 1963 شباط  فقد عذب وقتل كل من (سكرتير الحزب سلام عادل وعضو مكتب السكرتارية للحزب جمال الحيدري وأعضاء المكتب السياسي محمد حسين أبو العيس ومحمد صالح العبلي وجورج تلو وأعضاء اللجنة المركزية نافع يونس ورحيم شريف وحمزة سلمان , والصحفي عبد الجبار وهبي ) وقتلت أعداد كبيرة  من الشيوعيين وأنصارهم  , ووضع في السجون الالاف  من خيرة المناضلين وعاني الحزب ظروف قاسية ومواقف سياسية صعبة للغاية .

وطال الاعتقال عشرات الالاف من الشيوعيين خاصة في الايام الاولى لانقلاب البعث شباط 1963 .وفي بداية السبعينات أغتيل عدد غير قليل من قيادي الحزب وكوادره (ستار خضير والبرزنجي ومحمد الخضري وشاكر محمود وكاظم الجاسم وغيرهم ) .

وتكررت نفس العملية في نهاية عام 1978 وبداية عام 1979في حملة هوجاء راح ضحيتها أكثر من 70 الف مواطن بين شهيد وسجين كما جاء في تقرير اللجنة المركزية في المؤتمر الرابع للحزب 1985 .

لقد واصل الحزب نضاله برغم كل الصعوبات وكان له دورا متميزا في أضفاء الروح الوطنية والتقدمية والسلام والاشتراكية وترسيخ روح اليسار بين صفوف شعبنا , ودائما كان وجود الحزب الشيوعي العراقي في الساحة السياسية ضرورة لكل الوطنيين واليسارين والذي يناضلون من أجل خير الناس وسعادتهم .

وأعطت البطولات الذي خاضها الانصار الشيوعيون في سفوح كردستان وجباله وجهاً مشرقا للحزب وتأريخه المعروف وسجله المفعم بالتضحية من أجل الشعب والوطن. ويمكن الاتفاق مع ما جاء في وثيقة تقييم الحركة الانصارية عندما اشارت الى ان هذه الحركة  (شكلت في الثمانينات صفحة مشرقة في مسيرة حزبنا ونضاله , واعادت له هيبته في اوساط الحركة الوطنية العراقية والقوى التقدمية العربية والعالمية , ومكنته من البقاء على ارض الوطن ومواصلة نشاطه السياسي والتنظيمي والاعلامي والعسكري ولعبت دورا في الحيلولة دون تشتت قوى الحزب في المنفى [1] ) .

لقد قدم الحزب الشيوعي العراقي من خلال خوضه للكفاح المسلح  1979 – 1988 ( العمل الانصاري ) أكثر من (1150)  شهيداً ومن مختلف المجالات والاختصاصات ومختلف المستويات الحزبية وستبقى بطولاتهم خالدا مع تأريخ شعبنا .

المصادر

-        عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ج1 وج2 وج3 . للكاتب عزيز سباهي

-        مسيرة مناضل ج1 وج2 للسيدة ثمينة ناجي .

-        من حوار المفاهيم الى حوار الدم د. علي كريم سعيد.

-        الحركة الشيوعية في العراق , صلاح الخرسان.

-        شهداء الحزب الشيوعي العراقي شهداء الوطن 1934 -1963 .

-        الاختيار المتجدد د رحيم عجينه .

-        من ماهيات السيرة الذاتية د عقيل الناصري .

-        14 تموز الثورة الثرية د عقيل الناصري .

-        بشتاشان بين الالم والصمت قادر رشيد.

-        من الذاكرة صالح دكله .

-        المقايضة نجم محمود.

-        شهادة للتأريخ عزيز الحاج.

-        من دفاتر الشخص الاخر عزيز الحاج .

-        تأريخ نضال الشعب الكردي فاتح رسول

-        أصدارات الحزب الشيوعي العراقي

-        تقيم الحركة الانصارية 1979الى 1988

-        تقيم تجربة الحزب 1968 الى 1979 .

-        الثقافة الجديدة وطريق الشعب ووثائق الحزب المقدمة الى مؤتمراته .

  • 15 تشرين الثاني 2009 

ملحق الصور


[1]  تقيم الحركة الانصارية ص 98