في نهاية الثمانينات نشرت أول دراسة لي عن الأخوة الأيزيديين؛ شمس الشرق ونوره، وكانت بوابة عبوري إلى عالم البحث في الشرق.

كنت زرت بلداتهم البسيطة حتى الجمال في قرى الحسكة! وبقيت زمناً بينهم حتى حصلت على كتابيهم المقدسين، مصحف روش والجلوة لأصحاب الخلوة. وانهمرت الصداقات الإيزيدية على ثيابي الجافة كمطر أيلول؛ فكان الصديق المناضل الماركسي صباح كنجي، الذي أودع في خزانة كتبي أوراق والده الباحث جمعة كنجي، التي نشرت الكثير منها، وأدخلني إلى عالم الأيزيدية الرحب من أوسع أبوابه، فكادت علاقاتي الكوردية تنحصر فقط بالمكوّن الإيزيدي إلى درجة أني طلبت من أحد شيوخهم مرة أن أعتنق تلك الديانة الجميلة، فرد بتهذيب الأيزيديين: ديانتنا مقفلة! يجب أن يكون والداك أيزيديين حتى تستطيع أن تكون أيزيدياً!!

في برلين اقترحت علي الدكتورة الصديقة، أنغليكا نويفرت، العمل على إحدى المكونات الشرق-أوسطية، دينياً وتاريخياً ومجتمعياً. فكان ردي: الأيزيديون! وذهبت إلى الحج في لالش. وتنقلت بين بعشيقة وباعذرة والشيخان وسنجار، حيث يعيش أخوتي الأيزيديون بأمان وسلام وحب قرب المكونات العراقية الجميلة الأخرى، من شبك ومسيحيين وكاكائين.

كانوا يهاجمون الأيزيديين بحجة أنهم عبدة إبليس، مع أن إبليس الأيزيديين أجمل وأنقى وأطهر مليون مرة من إله الدواعش الوهابيين الذي لا يشبع من الدم ولا من الجنس!!

كان الهجوم وقحاً إلى درجة أني كتبت مرة مقالة تحمل عنوان: أنا يزيدي اعبد الشيطان – ديني وأنا حرّ فيه! وكان دفاعي عن أخوتي الأيزيديين مستميتاً؛ لأنه من الإجرام أن تعامل هذه الديانة الأقدم بتلك الإقصائية الكارثية. بل أقولها بصراحة، إنه حين كنت أتنقل مع البيش إمام في منطقة طولكو القريبة من الحسكة كان غير الأيزيديين يبادرون إلى القول حين يلمحوننا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم! وشكل الأيزيديين معروف للغاية والهدف من تلك العبارة الإساءة إلى هؤلاء!!

كلّهم وهابيّون!!

فجأة، دون سابق قذارة، اجتاح الدواعش شمال العراق الغربي!!

وسقطت كرامة المواصلة العرب وشرفهم وتاريخهم على أقدام فيان الدخيل!!

فتحوا أبوابهم وفروج نسائهم وتقاليد أجدادهم لشذّاذ آفاق من قتلة الوهابية!!

الأيزيديون!!

ولأن هؤلاء ليسوا حماس؛

ولأنهم كورداً مطعونين بكورديتهم؛

ولأنهم أقلية بلا حجم ولا بابا ولا فاتيكان؛

-       تخلّى الجميع عنهم!!

كان صوت فيان الدخيل أقوى من أصوات القنابل الساقطة على حماس!

لقد كشفتهم تلك القديسة الأيزيدية!!

العرب الذين اشتهروا بكرم الضيافة أثبتوا أنهم الأسوأ حيال الآخر، خاصة إن كان بلا ظهر...

رجال البشمركة الذين طالما حكينا عن صلابتهم، باعونا، نحن أبناء طاووس ملك، كما لم يبع أحد من قبل...

فيان الشجاعة العظيمة تذهب بالطائرة لإنقاذ أخوتها في سنجار، فتسقط المروحية وتُجرح قديسة الشيخ هادي...

جوليا بطرس العربية لا تعرف فيان ولا تغني لها!!

شفان برور لا يهتم لهذه الأيزيدية الكافرة، ووقته اليوم مكرّس بالكامل للغناء للثورة السورية التي أثبتت التدعوش منذ اللحظة الأولى!!

فيان – نحن نغني لك بعيوننا وقلوبنا!!

نحن نصلّي لك ولأهلنا في سنجار والشيخان وبعشيقة!!

فيان – لا تخافي على ديانتنا الأعرق، فأهورا مازدا لا يترك شعبه؛ والشيخ هادي يتشفع لنا عند طاووس ملك، وصخور لالش لا يمكن أن تطالها غير الصقور!

فيان – بشجاعتك وحدت المكونين العراقيين، العرب والكورد، بجبنهم المخزي!!

هل شاهدتم جنود المالكي في الموصل بعد لحظات من دخول المتدعوشين إلى وطن سومر؟؟

سنبقى!!

وتحيا سوريا!!